معهد ميديتريانة للدراسات الاقليمية: عبدالله جعفر كوفلي
الدستور العراقي اعتبر العراق جمهورية اتحادية واحدة، وأقر بأقليم كوردستان إقليماً فيدرالياً، وبالنتجة فإن هذا الإقليم جزء من الدولة العراقية، ويجب هنا الإشارة إلى أن الشعب الكوردستاني عندما عبر عن إرادته، وقرر مصيره بالاتحاد ضمن الدولة العراقية (الفيدرالية) على أساس الاختيار الحر القائم على توزيع السلطة والسيادة، فإنه وإن تنازل عن جوانب من سيادته الخارجية لصالح قيام الدولة العراقية (الفيدرالية)، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنه تخلى عن كامل سيادته كشعب له مقوماته و تراثه وأصالته وأهدافه القومية التي يناضل من أجل تحقيقها، شأنه في ذلك شأن الولايات والأقاليم والمقاطعات المنضوية المشكلة للاتحاد الفيدرالي في العالم، بل بقي محتفظاً بجوانب مهمة من سيادته الداخلية من أجل استمرار ديمومته وتطوير نفسه، وفي الوقت نفسه تقويم النظام السياسي (الفيدرالي) الذي اختار العيش ضمنه في مرحلة زمنية معينة، ومدى ملائمته مع مبادئه القومية وحقوقه السياسية والمدنية. حيث إن النص على تحديد اختصاصات حكومة الإقليم في الدستور، والتي لا يجوز التجاوز عليها إطلاقاً من قبل الحكومة الاتحادية، والإقرار بدستورها و هيئاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، بدليل أن إقليم كوردستان ليس وحدة إدارية تمارس الوظيفة الإدارية اللامركزية تحت إشراف ورقابة الحكومة الاتحادية، مثلما هو الحال بالنسبة للدول المركزية الموحدة، بل إن حكومة اقليم كوردستان تقف في بعض الحالات على قدم المساواة مع الحكومة الاتحادية، وأكثر من ذلك فقد تختص حكومة الإقليم بسلطات لا تتمتع بها الحكومة الاتحادية. علاوة على ذلك فإن إقليم كوردستان، إلى جانب تمتعه بجوانب مهمة من استقلاله وتنظيمه الذاتي، فأنه يشارك في تكوين وممارسة السياسة والإدارة العامة على نطاق الدولة العراقية عن طريق تمثيله المتساوي في مجلس النواب ومجلس الاتحاد، وكذلك عن طريق مشاركته في تعديل الدستور الاتحادي.
وعلى أساس ذلك، فان الأمن القومي للإقليم لا يعني بالضرورة تطابقه مع الأمن الوطني العراقي، بل هناك اختلاف بينهما من حيث نطاق كل منهما، ومدى الحماية التي يتطلبها كلا الأمنيين والموقف من التهديدات الموجهة إليهما.
فمن حيث النطاق، فإن أمن الاقليم يسري على إقليم كوردستان وحده، شعباً وأرضاً وحكومة، ضمن الحدود المتعارف عليها، ولا يمتد إلى خارج هذه الحدود. أما نطاق الأمن الوطني العراقي فيمتد ليشمل جميع الأراضي الواقعة الان ضمن الدولة العراقية الاتحادية بما فيه إقليم كوردستان، وبالصيغة التي حددها الدستور، وهذا يعني أن الأمن الوطني العراقي أوسع من حيث النطاق من الامن القومي للإقليم.
ومن حيث الحماية، فإن حكومة إقليم كوردستان، إلى جانب اختصاصها بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، تختص كذلك، وكمبدأ عام، بكل ما تتطلبه حماية الإقليم والدفاع عنه ضد أي تهديد يوجه إليه، سواء كان هذا التهديد آنياً او مستقبلي، داخلياً كان أم خارجياً، وأياً كانت طبيعته عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أيديولوجية، ولها في سبيل تحقيق ذلك، إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي كالشرطة والأمن(الأسايش)وحرس الحدود بموجب المادة (121/خامساً) من الدستور العراقي الفيدرالي لعام 2005….. وبموجب المادة(110 / ثانياً) ان تأمين حماية الأمن الوطتي العراقي ، فهي من اختصاص السلطات الاتحادية ، وتستند في ذلك إلى إنشاء القوات المسلحة وإدارتها لضمان أمن الحدود العراقية والدفاع عنها.
وهذا يعني أن درجة حماية الأمن القومي للإقليم ذات طبيعة مزدوجة لها مستويان: على مستوى إقليم كوردستان وعلى مستوى الدولة الاتحادية باعتبار الإقليم جزءاً من هذه الدولة.
وبموجب المادة (الثامنة/ الفقرة السابعة ) من قانون مجلس وزراء اقليم كوردستان (3) لسنة 1993،يتولى مجلس وزراء إقليم كوردستان : (تنفيذ القوانين والمحافظة على أمن الإقليم وحماية حقوق المواطنين والممتلكات العامة ومصالح شعب كوردستان). واستناداً الى المادة (2) من قانون وزارة الداخلية لحكومة الإقليم رقم (9 ) لسنة 1993 فإنها تتولى المهام التالية :
1 – تنفيذ السياسة العامة لحكومة إقليم كوردستان العراق والعمل على صيانة وحماية الأمن الداخلي من خلال وضع خطط لأجهزة الوزارة .
2 – العمل على سيادة القانون وتوطيد النظام العام وتأمين الراحة والطمأنينة للمواطنين والحفاظ على ممتلكاتهم .
3 – التعاون والتنسيق مع الوزارات والدوائر الأخرى المختصة بشان المهام والواجبات المتعلقة بالأمن وحفظ النظام تحقيقا للصالح العام .
4 – العمل على منع وقوع الجرائم والتنبؤ المستقبلي لوقوع الجريمة ووضع الخطط والبرامج التي تمنع وقوعها بهدف تحقيق الأمن الدائم والطمأنينة والعمل على استباب الأمن والاستقرار الدائم والاهتمام بالجانب الوقائي للجرائم .
5 – العمل من أجل حماية الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في كوردستان العراق واتباع الأساليب القانونية والعملية في حل المنازعات والمشاكل العامة والخاصة .
6 – الحفاظ على الأداب العامة في الإقليم .
7 – مكافحة التجسس والتهريب والتسلل وحماية اقتصاد الإقليم وأمنه ومنع الدخول غير المشروع إلى الإقليم .
واستناداً إلى المادة (121 /خامساً) من الدستور العراقي الفدرالي لعام 2005 فأن برلمان كوردستان شرع العديد من القوانين في سبيل إنشاء منظومة أمنية متكاملة، منها قانون رقم (4)لسنة 2011 (قانون مجلس أمن أقليم كوردستان) حيث نص في المادة الثانية/
أولاً: يشكل بموجب هذا القانون مجلس يسمى(مجلس أمن إقليم كوردستان) ويرتبط برئيس الإقليم ويتكون من( جهاز أسايش الإقليم ـ المديرية العامة للاستخبارات العسكرية ـ وكالة الحماية والمعلومات).
ثانياً: يقوم المجلس بتنظيم وتخطيط سياسة أمنية موحدة وإحلال التنسيق بين كافة المؤسسات ذات العلاقة. أما المادة الثالثة: يهدف هذا القانون الى اقامة و صياغة أسس أمن الإقليم عن طريق:
1. ضمان الأمن والاستقرار في الإقليم.
2. حماية الأسس والمبادئ الدستورية والقانونية للإقليم.
3. جمع وتحليل المعلومات وتقييم أي تهديد لأمن الإقليم.
4. تبادل المعلومات بين المؤسات المختصة في الإقليم والحكومة الاتحادية.
5. حماية أمن الإقليم في مجالات الجرائم الخطرة والجرائم المنظمة وجرائم المواد المخدرة وتزوير العملة والفساد الإداري والمالي وغسيل الأموال وذلك وفق القوانين السارية في الإقليم.
6. مكافحة أعمال التجسس وفق القوانين المعمول بها في الإقليم.
7. مكافحة الإرهاب وفق القوانين السارية في الإقليم.
8. حماية نظام المعلومات في الإقليم.
9. حماية أمن الاتصالات.
10. حماية أمن المطارات والمنافذ الحدودية في الإقليم.
11. حماية الأمن الاقتصادي للإقليم بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
12. تبادل المتهمين والمجرمين وتسليم قضاياهم بين المؤسسات الأمنية الاتحادية ونظيراتها في الإقليم وفق آلية تحدد بنظام.
13. التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لحماية أمن الشخصيات الرسمية لدى الحاجة.
14. حماية الأمن الغذائي والصحي في الإقليم بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
15. حماية أمن الطاقة والمؤسسات الحياتية.
16. التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لمتاعة أمور اللاجئين والنازحين والأجانب المقيمين في الإقليم.
17. التنسيق مع الجهات المعينة لحماية أمن المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية والقنصلية في الإقليم.
18. ضمان أمن مقرات وتشكيلات البيشمه ركه وجمع المعلومات المخابراتية والميدانية والاستراتيجية وتقييمها.
أما القانون رقم(5) لسنة 2011 المسمى (قانون جهاز أسايش إقليم كوردستان- العراق) قد صدر لتنظيم أحد مكونات(مجلس أمن الإقليم-المشار إليه أعلاه) فقد جاء في الأسباب الموجبة(انطلاقاً مع التوجيهات الديمقراطية والمؤسساتية التي يؤمن بها شعب كوردستان واستجابة لكل تطلعات مواطني الإقليم في التمتع بالأمن والاستقرار والحريات والرخاء، تنظيماً لواجبات وصلاحيات واختصاصات وتشكيلات الاجهزة الأمنية في إقليم كوردستان ولأرساء دعائم نظام أمن وطني فعال ومنظم ومنسق مواكب للتحديات الأمنية الداخلية والخارجية وفقاً للمبادئ الدستورية والديمقراطية ومواثيق حقوق الإنسان العالمية التي تؤمن بها حكومة إقليم كوردستان، تم تشريع هذا القانون) ونص المادة الثالثة منه:
يمارس الجهاز المهام الأتية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة:
أولاً: حماية الحريات العامة والخاصة وفق مباديء الديمقراطية وحقوق الانسان.
ثانياً: أمن المؤسسات الدستورية والقانونية (البرلمان، الحكومة، القضاء) في الإقليم، والشخصيات والمؤسسات وغيرها.
ثالثاً: حماية أمن العمل السياسي والمدني والمهني في الإقليم.
رابعاً: حماية الاقتصاد الوطني.
خامساً: تأمين أمن المطارات والسدود والمنشآت النفطية والمنافذ الحدودية.
سادساً:لاالحفاظ على تراث وثقافة شعب كوردستان العراق بكافة مكوناته القومية والدينية والمذهبية.
سابعا:ىجمع المعلومات ورصد التحركات عن التهديدات الداخلية الموجهة للأمن الوطني في الإقليم وتقييمها ومواجهتها.
ثامناً: تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي ومكافحة الجريمة المنظمة بكافة أنواعها وكذلك مكافحة الجرائم الإرهابية والمخدرات.
تاسعاً: ضمان أمن وسلامة وسرية الاتصالات وسلامة التنقل في الإقليم.
عاشراً: المحافظة على أماكن العبادة والمواقع الدينية وتوفير الأمن لها.
حادية عشر: تأمين أمن وسلامة المراكز السياحية والمواقع الأثرية والتاريخية والآثار.
ثانية عشر: حماية الأمن الغذائي والصحي في الإقليم.
ثالثة عشر: حماية أماكن عمل وتواجد المنظمات الدولية وعامليها الدوليين وحماية الوفود الدبلوماسية والوفود الأخرى وكذلك البعثات القنصلية وموظفيها وأفراد عوائلهم في الإقليم.
رابعة عشر: متابعة قضايا اللاجئين والمهاجرين والمقيمين والزوار الأجانب في الإقليم.
خامسة عشر: تبادل المجرمين والمتهمين وإحالة قضاياهم بين أجهزة الإقليم والأجهزة الفيدرالية وفق الآلية التي يحددها القانون.
أما تأمين حماية الامن الوطني العراقي، فهي من اختصاص السلطات الاتحادية، وتستند في ذلك إلى إنشاء القوات المسلحة وإدارتها لضمان ‘من حدود العراق والدفاع عنه. وهذا يعني أن مستوى درجة حماية أمن الإقليم ذات طبيعة مزدوجة لها مستويان: على مستوى إقليم كوردستان وعلى مستوى الدولة الاتحادية بأعتبار الإقليم جزءاً من هذه الدولة.
أما المادة: (113)نص على:
يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات والاختصاصات الآتية:
أولاً: تنفيذ القوانين والقرارات والأنظمة والمحافظة على أمن الإقليم والأموال العامة.
سابعاً: ممارسة كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية من صلاحيات تنفيذية خاصة بالإقليم وفق المادة 110 من الدستور الاتحادي.
ثامناً: ممارسة ماتخوله له الصلاحيات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الإقليم وفق أحكام الدستورالاتحادي.
خامس عشر: إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن و حرس الإقليم.
أما من حيث التهديد، وكقاعدة عامة، فأن أي تهديد، يوجه إلى إقليم كوردستان فهو يشكل بالضرورة تهديداً للأمن الوطني العراقي، بوصفه، حالياً، جزء من الدولة العراقية، بيد أنه ليس بالضرورة أن يشكل التهديدات التي توجه إلى الامن الوطني العراقي اعتبارها كذلك بالنسبة للامن القومي الكوردستاني، وإنما الأمر يتوقف على نوعية التهديد والمصلحة المستهدفة، ولتوضيح ذلك نورد المثال الاتي:
اذا كان التهديد يهدف إلى تغيير النظام الاتحادي الفيدرالي أو يستهدف امكاناته الاقتصادية بالتخريب أو الإتلاف، فأن ذلك يشكل تهديداً حقيقياً لكلا الأمنيين (الكوردستاني والعراقي)معاً. أما اذا ما واجهت الدولة العراقية متغيراً أو مشروعاً دولياً يهدف الى تجزئته أو تقسيمه على ثلاثة دويلات مستقلة(كوردية، عربية سنية، عربية شيعية)، فلاشك أن ذلك يشكل أكبر تهديد يوجه إلى الأمن الوطني العراقي بل وتلاشيه، ولكن هل يشكل دولة كوردستانية مستقلة تهديداً للأمن القومي الكوردستاني بالطبع يأتي الجواب بالنفي القاطع، بل إن تكوين مثل هذه الدولة يعد أسمى هدف يسعى الأمن القومي الكوردستاني إلى تحقيقه في المستقبل. ثم إن الحكومات العراقية نفسها، إذا ما خالفت الدستور أو أهملت تطبيق بنوده بسوء النية، قد يشكل تهديداً لأمن الإقليم ، كأن تقلل من سلطات الإقليم، أو تقلص حدوده الإدارية والسياسية ، أو تحجب وارداته المالية وما إلى ذلك.
لذا يمكن القول بأن صلة أمن الإقليم بالأمن الوطني العراقي هي علاقة تعاقدية – تعاونية متبادلة أساسها الدستور، ومن هنا يجب أن تبنى العلاقات مع الشعب العربي على أساس (المصلحة) ، بمعنى التركيز على المصلحة الكوردية – العربية.
ومن التهديدات الأخرى لأمن إقليم كوردستان العراق يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية:
• تدخلات الدول المجاورة لدولة العراق في شؤنها الداخلية والتأثير على استراتيجية إدارة الحكم وأخذ مواقف غير صائبة تجاه الإقليم .
• الاتفاقيات الاستراتيجية(السياسية والعسكرية) المبرمة بين الدول المجاورة للإقليم باشراف وموافقة الدول العظمى بناءاً على حماية مصالحهم.
• وجود منابع مياه الإقليم في خارج حدودها.
• عدم تماسك الجبهة الداخلية للقوى السياسية في الإقليم مع وجود رؤى مختلفة تجاه القضايا الاسترتيجية والمصيرية للشعب الكوردستاني.
• الجماعات الإرهابية التي تمارس نشاطاتها في العراق وسوريا والمحاولات الكثيفة والمتكررة لزعزعة أمن الإقليم.
• القصف التركى والإيراني للمناطق الحدودية للإقليم لوجود مقرات وعناصر من حزب العمال الكوردستانى وحزب حياة كوردستان، لمطالبة هذه الاحزاب بالحقوق القومية، وأن القصف يخلف وراءه في كثير من الأحيان الدمار والشهداء وأن الحكومات التركية والإيرانية تمنح هذه العمليات الحجم الكبير من الناحية الإعلامية وذلك بهدف اطمئنان شعوبهما بأنها تعمل وتتصدى لكل من يهدد أمنها ومواطنيها ومن جانب اخر لكسب التعاطف والتعاون الدولى باعتبارها تحارب منظمات إرهابية(بوجهة نظرهم).
لذا يمكن القول، أن صلة الأمن القومي الكوردستاني بالأمن الوطني العراقي هي علاقة تعاقدية- تعاونية متبادلة، أساسها الدستور، ومن هنا يجب أن تبني العلاقات مع الشعب العربي على أساس (المصلحة)، أي بمعنى التركيز على المصلحة الكوردستانية.