لاظهار الحقائق المتعلقة بمدينة كركوك والتي اصبحت الان محل خلاف وجدال على هويتها بين الكرد والعرب والتركمان، ولاجل قراءة واقعية ومستقلة حول تأريخ تلك المدينة، افضل دليل واحسن مصدر نستند اليه هو ما جاء في كتابات الرحالة والمستشرقين الذين زاروا المنطقة وفي فترات مختلفة ودونوا كل مارأوه في كتب طبعت في بلدانهم ونشرت، وحول اهمية مذكرات الرحالة والمستشرقين في ما نحن بصدده الان، هو انهم ينتمون كل الى بلد معين ومختلف، جاءوا الى المنطقة اما وحدهم او مع الجيوش القادمة او بناء على طلب من الحكام، وعلى كلٍ حال يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها كوثيقة ومصدر مستقل، وكذلك تعود هذه الوثائق الى فترات وازمنة مختلفة اهتمت بتأريخ وظروف المنطقة جُمعت كلها وكُتبت وطبعت على هيئة كتب حيث مازات محفوظة في ارشيف ومكتبات الدول التي ينتمي اليها هؤلاء الرحالة والمستشرقون وهي مهمة وقيمة للاستفادة منها في الوقت الراهن. فإذا جمعنا كل ما كتبه ودونه هؤلاء خلال زياراتهم للمنطقة حول منطقة كركوك لاظهار الحقائق لاحتجنا الى مجلدات وليس كتاب واحد لبيان كردستانية مدينة كركوك والذي اود اظهاره في هذه السطور ما اخترته من حقائق تعود لعدة عصور مختلفة، وكذلك اختياري لعدد من الرحالة الذين ينتمون لقوميات مختلفة من المانيا وفرنسا وانكلترا وتركيا وبلاد العرب ولاجل النظر الى قضية كركوك من زوايا ورؤى مختلفة ولان اصحابها لم يكتبوها لخدمة الكرد ومصالحهم، وكذلك هناك العديد من الكتاب والمؤرخين العرب ايدوا في كتاباتهم هذه الحقيقة بان كركوك مدينة كردستانية وسلسلة جبال حمرين هي الفاصل والحدود بين حدود كردستان وبلاد العرب، وان كركوك لم تكن تابعة اداريا للعراق قبل تأسيس الدولة العراقية الجديدة، ولهذا اخترت على سبيل المثال لكاتبين عربيين دونا كتاباتهما بعد تأسيس الدولة العراقية والحاق كركوك بها اداريا وطبع العراق بنفسه هذين الكتابين، وكذلك احببت ان اعتمد اكثر على هذين الكتابين لسبب بسيط الا وهو اعتمادهما (اي الكتابان) على مذكرات ووثائق الرحالة والمستشرقين القدماء وذكرهما ان كركوك مدينة كردستانية، هذان الكتابان يعودان الى كاتبين عراقيين وكُتبا في النصف الاول من القرن العشرين ويؤيدان حقيقة انه الى ان أتى حزب البعث الى السلطة في العراق لم يكن احد يجرؤ ان ينكر هذه الحقيقة بان كركوك مدينة كردستانية حتى وان الكتاب والرحالة في حينه اثبتوا هذه الحقيقة. *واول رحالة هو الدكتور والتاجر الالماني (ليونارد راوولف) والذي زار كركوك والمناطق المحيطة بها في نهاية عام 1574، وفي عام1693 طبع ونشر باللغة الانكليزية ما دونه خلال زيارته للمنطقة، ومن جهته قام الكاتب والباحث العربي سليم طه التكريتي بترجمة نص الكتاب الى اللغة العربية، وفي عام 1978 وخلال حكم البعث للعراق وتحت اشراف ورعاية وزارة الثقافة آنذاك تم طبع ونشر الكتاب باللغة العربية تحت اسم (رحلة المشرق الى العراق وسوريا وفلسطين).
وبخصوص ما جاء في الكتاب حول كركوك والكرد يقول المؤلف: في يوم 16من كانون الاول عام 1574 توجهنا من بغداد الى كركوك حيث استغرقت رحلتنا الى هناك ستة ايام بمحاذاة حدود منطقة ميديا، حيث بدأنا مسيرنا من الطرف الاخر لنهر دجلة الى ان وصلنا قلعة (ثكنة) عسكرية محمية تابعة لتركيا كانت واقعة في اراضي الكرد بالقرب من منطقة داقوق، من هنا الى ان وصلنا وبطول نهر دجلة ما بين (ماد ـ ميديا) وكذلك بمحاذاة النهرين الى ان تصل الى ارمينيا. الكرد في تلك المناطق يتكلمون بلغة خاصة بهم وان رفاقي الذين صاحبوني في الرحلة لم يفهموا لغتهم، وكذلك من جهتم لا يعرف الكرد التحدث باللغتين الفارسية والتركية لكي يكونوا كمترجمين لنا اثناء مرورنا عبر اراضي الكرد، يصف راوولف في كتاباته مدينة كركوك بالمدينة الجميلة والخلابة (شارزور).
*وايضا الرحالة (نيبور) والذي يعتبر من اكثر الرحالة الالمانيين انتقالا بين الاماكن زار مدينة كركوك في العام 1767 وكتب مشاهداته خلال الزيارة في مجلدين كبيرين وترجمه الى الفرنسية وطبعه ونشره في امستردام عام 1781،يتحدث (نيبور) عن كركوك في عدة صفحات، فمثلا يتحدث عن قلعتها ويقول في كتابه: يسمون هذا المكان بالقلعة وهو اسوأ مكان رأيته من حيث عدم ترتيب وتنسيق بيوتها وفي اوضاع مزرية، وتوجد داخل القلعة ثلاثة مساجد ومنارة واحدة، وتعتبر احداها مهمة ومقدسة اكثر لوجود ابناء الرسل فيها وهم : دانيال وميخائيل واليعازر (عزرائيل)، ولا يشك اليهود هناك ان يكون رسولهم مدفونا في ذلك المسجد، ومن جهتهم يعارض المسلمون دخول اليهود اليها، وكذلك كتب (نيبور) في كتابه ان كركوك فيها 40 كلدانيا او نسطوريا تابعين للكنيسة الرومانية، وكذلك هي مملكة لملك الدرجة الثانية من الطوغة، حيث الملك لا يبقى في المدينة، وباقي ولايات شهرزور الاخرى تقع على امتداد طريق داقوق الى ان تصل الى مدينة اربيل، حيث نراها اليوم كلها تابعة لملك بغداد. *وأول رحالة فرنسي زار مدينة كركوك هو (ذان أوتي) حيث يبدأ زيارته من عام 1734 وينتهي بكتاب مشاهداته واسفاره في العام 1784 تحت اسم (السفر الى تركيا وايران مع توسعات طهماسب قولي خان العسكري) وتم طبع هذا الكتاب في مجلدين، ويقول (أوتي) في كتابه: وصلنا في الصباح الباكر الى مدينة كركوك والتي هي الان عاصمة حكومة شهرزور الكردستانية، هذه الحكومة تقسم الى اقليمين او ثلاثة اقاليم جانبية والواقعة مابين اذربيجان والعراق الفارسي وولايات بغداد والموصل وآميدي وهكاري، ويعتبر كرد كوران اكبر المتنفذين في المنطقة من حيث مساحة الاراضي والسلطة ومعقلهم الرئيس منطقة بلكانة الواسعة والواقعة في منطقة قزلجة، وبخصوص كركوك كتب (أوتي) يقول: ملك كركوك يحذر كثيرا من العداء مع ايران لذا قرر ان يحصن القلعة باسرع وقت ممكن ويتحضر لاي طارئ قد يستجد بذلك الخصوص، وبالاخص سور القلعة الذي يعتبر درعها ومعروف عنه الكثير.