• English
  • کوردی

النضال من أجل إنقاذ وحدة إقليم كردستان الممزق

كردستان

10/25/2024 10:05:00 AM

د. سامان شالـــى/ محلل سياسي واقتصادي

لقد انخرط الشعب الكردي، المنتشر في تركيا وإيران والعراق وسوريا، منذ فترة طويلة في نضال من أجل الحكم الذاتي والهوية الثقافية وتقرير المصير. ومن بين الأكراد، اقترب إقليم كردستان في العراق من تحقيق حلم الاستقلال من خلال إنشاء حكومة إقليم كردستان في عام 1992. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التقدم، فقد أضعفت الانقسامات الداخلية القضية الكردية. وقد أعاق الاتحاد الكردي الممزق، الذي اتسم بالانقسامات السياسية والقبلية والأيديولوجية، الجهود الرامية إلى تحقيق جبهة موحدة للدفاع عن مصالح إقليم كردستان وتعزيزها. إن النضال من أجل إنقاذ إقليم كردستان لا يتعلق بحماية كيان جغرافي فحسب؛ بل إنه معركة للحفاظ على هوية كردستان وأستحقاتها الدستورية، والحفاظ على الاستقرار، ومواجهة التهديدات الخارجية التي تستغل هذه الانقسامات.

السياق التاريخي للانقسامات الكردية

إن التعمق في تاريخ الانقسامات الداخلية بين الأكراد ضروري لفهم الاتحاد الكردي الممزق. تاريخياً، كانت الحركات السياسية الكردية مجزأة، غالباً على أسس قبلية وإقليمية. وفي إقليم كردستان العراق، كان هناك حزبان مهيمنان منذ فترة طويلة في قلب هذا الانقسام: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وقد تسبب هذا التنافس، الذي ينبع من المظالم التاريخية والرؤى المتنافسة للحكم الكردي، مراراً وتكراراً في حدوث انقسامات قوضت الوحدة الكردية.

كانت الفترة الأكثر شهرة للصراع الكردي الداخلي هي الحرب الأهلية الكردية في الفترة 1994-1997 عندما قاتل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بعضهما البعض من أجل السيطرة على الأراضي والموارد. ولم تعمل الحرب الأهلية على إضعاف الموقف الكردي فحسب، بل فتحت الباب أيضاً أمام القوى الخارجية، وخاصة العراق في عهد صدام حسين، لاستغلال الصراع لصالحها. وقد جلب التدخل الأميركي اللاحق وإنشاء حكومة إقليم كردستان بعض الاستقرار. لكن الانقسامات بين الحزبين ظلت تشكل مصدر توتر، وتعيق جهود تشكيل استراتيجية سياسية وعسكرية متماسكة للدفاع عن إقليم كردستان.

 

تأثير التفتت السياسي على إقليم كردستان

كان للتفتت السياسي للأكراد آثار عميقة على إقليم كردستان، وخاصة في علاقاته مع بغداد والدول المجاورة. وكثيراً ما قدمت حكومة إقليم كردستان نفسها ككيان موحد في المفاوضات مع الحكومة الاتحادية العراقية وتعاملاتها مع الجهات الفاعلة الدولية. ومع ذلك، كان الواقع أكثر تعقيداً. فبينما يشكل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ظاهرياً جزءاً من نفس الحكومة، فإنهما غالباً ما يتبعان سياسات متباينة. فقد أعطى الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي تربطه علاقات قوية بتركيا، الأولوية للتنمية الاقتصادية والتعاون البراجماتي مع أنقرة. وعلى النقيض من ذلك، حافظ الاتحاد الوطني الكردستاني على علاقات أوثق مع إيران، الأمر الذي أدى إلى خلق شبكة من الولاءات المتنافسة التي تعقد السياسة الخارجية لحكومة إقليم كردستان.

وكان هذا الانقسام أكثر وضوحاً في المسائل العسكرية. ذلك أن قوات البيشمركة الكردية، التي كانت ذات يوم مشهورة بشجاعتها في القتال ضد داعش، ليست جيشاً موحداً بل هي مجموعة من البيشمركة  الموالين إما للحزب الديمقراطي الكردستاني أو للاتحاد الوطني الكردستاني. وقد أدى هذا الافتقار إلى التماسك العسكري إلى إضعاف قدرة الأكراد على الدفاع عن أراضيهم ضد التهديدات الخارجية، مثل داعش. وقد أثار ذلك مخاوف بشأن الاستقرار المستقبلي للمنطقة. وقد سلط استفتاء الاستقلال في عام 2017، الذي عقد تحت قيادة مسعود بارزاني من الحزب الديمقراطي الكردستاني، الضوء على هذه الانقسامات. وفي حين حظي الاستفتاء بدعم ساحق من السكان الأكراد، إلا أنه كشف أيضًا عن الافتقار إلى الوحدة بين القادة الأكراد. فقد تبنى الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان حذرًا من استفزاز إيران والعراق، موقفًا أخر، وأدى الافتقار إلى نهج موحد في النهاية إلى استجابة سريعة وقوية من بغداد، التي استعادت الأراضي المتنازع عليها، بما في ذلك كركوك.

التهديدات الخارجية التي تستغل الانقسامات الكردية

لقد أدى تفكك الاتحاد الكردي إلى جعل إقليم كردستان عُرضة للتهديدات الخارجية، حيث استغلت القوى الإقليمية مثل العراق وتركيا وإيران وسوريا الانقسامات الكردية لخدمة مصالحها منذ فترة طويلة. وقد سعت الحكومة المركزية العراقية، وخاصة في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، باستمرار إلى تقويض الحكم الذاتي الكردي من خلال حجب المخصصات الميزانية وتحدي سلطة حكومة إقليم كردستان على صادرات النفط. ولم يؤد التنافس بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلا إلى تشجيع بغداد، مما سمح لها بتبني استراتيجية فرق تسد التي تستغل الانقسام الكردي الداخلي.  وقد أستغلت الحكومات الأتحادية المتتالية هذا الأنقسام من خلال المحكمة الأتحادية لزيادة هذا الأنشقاق لمصالحها.

وفي الوقت نفسه، استخدمت تركيا وإيران نفوذهما على الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لتعزيز أهدافهما الجيوسياسية. وسعت تركيا، التي تشعر بالقلق إزاء الانفصال الكردي داخل حدودها، إلى إضعاف الطموحات الكردية للاستقلال التام من خلال تنمية علاقة اقتصادية قوية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي الوقت نفسه، دعمت إيران الاتحاد الوطني الكردستاني للحفاظ على نفوذها الإقليمي. وقد أدت هذه الضغوط الخارجية إلى خلق حالة حيث يجد الزعماء الأكراد أنفسهم في كثير من الأحيان محاصرين في المصالح المتنافسة لجيرانهم الأكثر قوة، بدلاً من العمل معًا لتحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي.

الحاجة الملحة إلى الوحدة الكردية

في مواجهة هذه التحديات، يتطلب الكفاح من أجل إنقاذ إقليم كردستان التزاماً متجدداً بالوحدة الكردية، وخاصة بعد الانتخابات الناجحة للدورة السادسة لبرلمان كردستان. إن مستقبل إقليم كردستان لا يعتمد فقط على القوة العسكرية أو المفاوضات الدبلوماسية، بل وأيضاً على قدرة القادة الأكراد على التغلب على انقساماتهم التاريخية وتقديم جبهة موحدة. إن كردستان المنقسمة معرضة للتلاعب الخارجي والانهيار الداخلي. وفي الوقت نفسه، تتمتع كردستان الموحدة بالقدرة على تأمين مكانها في منطقة متقلبة.

إن عودة داعش مؤخراً إلى الظهور في العراق وسوريا، وعدم الاستقرار السياسي المستمر في بغداد، والتهديدات المستمرة التي تشكلها القوى الإقليمية تجعل الوحدة الكردية أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولنفترض أن الأكراد يأملون في الحفاظ على الفيدرالية التي اكتسبوها ومواصلة النضال من أجل تقرير المصير. وفي هذه الحالة، يتعين عليهم إعطاء الأولوية للوحدة الوطنية على المصالح الحزبية. وسوف تتطلب هذه الوحدة من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني أن يضعا خلافاتهما جانباً، وأن يعملا نحو رؤية مشتركة لإقليم كردستان، وأن يبنيا هيكلاً سياسياً وعسكرياً موحداً للدفاع عن المصالح الكردستان.

الخلاصة

لقد كان الاتحاد الكردي المنقسم حجر عثرة في النضال من أجل إنقاذ إقليم كردستان. وفي حين قطع الأكراد خطوات كبيرة نحو الفيدرالية، فإن الانقسامات الداخلية قوضت جهودهم وتركتهم عرضة للتهديدات الخارجية. ويعتمد مستقبل إقليم كردستان على قدرة القادة الأكراد على تجاوز هذه الانقسامات وتشكيل جبهة موحدة قادرة على الدفاع عن مصالح إقليم كردستان وتعزيزها. ومن خلال الوحدة فقط يمكن للأكراد أن يأملوا في حماية استقلالهم الذي اكتسبوه بشق الأنفس ومواصلة النضال من أجل مستقبل أكثر إشراقا. كلما تمكنت الأحزاب السياسية الكردستانية من تشكيل البرلمان الجديد وحكومة إقليم كردستان في أقرب وقت، كلما كان وضعها أفضل في الدفاع عن حقوقها الدستورية وبناء علاقة أقوى مع الحكومة الاتحادية والدول الإقليمية وحلفائها.