• English
  • کوردی

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. خطوة نحو الإصلاح أم بوابة لتفكيك المجتمع؟

العراق

9/24/2024 10:44:00 PM

   سعيد ملا عبد الله

أثار التعديل المقترح على قانون الأحوال الشخصية العراقي جدلاً واسعاً بين مختلف الطوائف العراقية، وتثير هذه القضية الحساسة التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة الأسرية في العراق، تساؤلات حول تأثير التغييرات المقترحة على المجتمع وما إذا كانت خطوة نحو الإصلاح أم بوابة للتفكك المجتمع.

يعد قانون الأحوال الشخصية من أهم القوانين التي تنظم العلاقات الأسرية في العراق ويتناول الزواج والطلاق والميراث والوصاية وغيرها من القضايا المتعلقة بالأسرة، وقد كان القانون رقم 188 لسنة 1959 من أوائل القوانين في المنطقة التي عالجت هذه القضايا من منظور مدني وكان من أوائل القوانين التي تناولت حقوق المرأة والرجل في الأسرة، وساهم في إقامة توازن بين حقوق المرأة والرجل.
 
ومع ذلك، هناك دعوات متزايدة لإجراء تغييرات على هذا القانون لاسيما من الأحزاب الدينية والمنظمات ذات الميول المحافظة، والتي ترى أن القانون الحالي يتعارض مع "الشريعة الإسلامية". وتعارض منظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسوية مثل هذه التغييرات باعتبارها انتكاسة للمكاسب التي حققتها المرأة العراقية في السنوات الأخيرة.
 
وتركز التعديلات الجديدة المقترحة على قانون الأحوال الشخصية بشكل أساسي على عدد من النقاط التي يراها المؤيدون "إصلاحية" ويراها المعارضون "محافظة" وتقوض حقوق المرأة. ومن أبرز هذه النقاط ما يلي:
 
1- خفض سن الزواج: يمكن للتعديل أن يخفض سن الزواج إلى 15 عاماً، وهو ما أثيرت حوله العديد من القضايا الحقوقية مثل استغلال الأطفال وإجبار الناس على الزواج في سن مبكرة
 
2- الولاية: يمكن أن تعزز التعديلات المقترحة صلاحيات الآباء والأوصياء على النساء فيما يتعلق بالزواج والطلاق.
 
3- تعدد الزوجات: يتعلق أحد المقترحات المثيرة للجدل بتخفيف شروط تعدد الزوجات. ويهدف البعض إلى تبسيط الإجراءات القانونية المطلوبة لإعادة الزواج، مما يثير استياء المنظمات النسوية.
 
4- الطلاق: قد تسهّل التغييرات المقترحة إجراءات الطلاق على الرجال، على حساب النساء، وتعرّض النساء لخطر فقدان حقوقهنّ الاقتصادية والشخصية في حال الطلاق السريع.
 
من المعلوم أن النقاش حول تعديل قانون الأحوال الشخصية يتجاوز الأبعاد القانونية والدينية وله آثار اجتماعية. فالعراق مجتمع متعدد الثقافات والأديان، ويمكن أن يكون لتعديلات قانون الأحوال الشخصية تأثير مباشر على علاقات الأفراد داخل المجتمع.
 
وللتعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية في العراق آثار سلبية محتملة على بنية المجتمع، مما قد يؤدي إلى تفككه على مختلف المستويات. وفيما يلي تفصيل لأهم الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عن هذه التعديلات:
 
1- تراجع وتهميش حقوق المرأة
 
من أهم الآثار السلبية لتعديلات قانون الأحوال الشخصية هو التراجع الكبير في حقوق المرأة العراقية. فمن شأن هذه التعديلات تقويض المكاسب التي حققتها المرأة على مدى عقود من الزمن في العراق. تتجلى الآثار السلبية على المرأة بعدة طرق:
 
- الزواج المبكر: أحد أكثر التغييرات المثيرة للجدل هو خفض سن الزواج إلى 15 سنة. وغالباً ما يرتبط الزواج المبكر بمشاكل اجتماعية خطيرة مثل العنف الأسري وانعدام فرص التعليم وعدم الاستقلال الاقتصادي. وهذا يجعل الفتيات أكثر عرضة لسوء المعاملة والضغوط الاجتماعية ويمنعهن من بناء مستقبل أفضل.
 
- تيسير الطلاق على الرجال: إذا تم تبسيط إجراءات الطلاق بالنسبة للرجال، فقد تضطر النساء إلى الزواج غير المتكافئ ويزداد احتمال طلاقهن بسرعة أكبر. في مثل هذه الحالات، تخاطر المرأة بفقدان حقوقها المالية والنفسية، مثل فقدان النفقة أو حضانة أطفالها، وتُترك في موقف ضعيف للغاية بعد الطلاق.
 
2- زيادة معدلات التفكك الأسري
 
تعتبر الأسرة العراقية وحدة اجتماعية مهمة، لكن التغييرات المقترحة قد تزيد من معدلات تفكك الأسرة. وقد تساهم عدة عوامل في هذا التفكك:
 
- زيادة حالات الطلاق: قد يؤدي تخفيف إجراءات الطلاق إلى زيادة معدلات الطلاق وتفكك العديد من الأسر. يمكن للطلاق السريع والسهل أن يمنع الأزواج من التفاهم وحل النزاعات بشكل بنّاء، ويزيد من حالات الانفصال الأسري ويؤثر بشكل مباشر على الأطفال.
 
- ضعف الاستقرار الأسري: يمكن أن يهدد انخفاض السن عند الزواج وتعدد الزوجات استقرار الأسرة. غالبًا ما تعاني الأسر التي تلجأ إلى الزواج المبكر أو تواجه مشاكل ناجمة عن تعدد الزوجات من عدم التفاهم بين الزوجين، مما يؤدي إلى زيادة النزاعات وعدم الاستقرار الأسري.
 
- التأثير على الأطفال: الأطفال هم الأكثر تضرراً من التفكك الأسري. من المحتمل أن يكون للطلاق المبكر والأسر غير المستقرة آثار نفسية خطيرة على الأطفال، مثل القلق والاكتئاب وفقدان الثقة في العلاقات الأسرية. وقد يمتد هذا الأثر السلبي إلى مستقبل الأطفال وقدرتهم على بناء أسر مستقرة في المستقبل.
 
3- انتهاكات حقوق المكونات الدينية والمذهبية
 
قد يكون للتعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية أثر سلبي على حقوق المكونات الدينية والمذهبية في العراق. فالعراق دولة متعددة الأديان والمذاهب وتضم مجموعات دينية مختلفة، مثل المسيحيين والإيزيديين والصابئة، ولها نظامها الخاص بالزواج والطلاق.
 
- زيادة الاغتراب: تعاني المكونات الدينية في العراق بالفعل من الشعور بالاغتراب، وسيعزز إدخال قوانين جديدة لا تتوافق مع معتقداتهم هذا الشعور. وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات الطائفية والدينية، وإضعاف التماسك الاجتماعي وتعزيز التفرقة.
 
4- التأثير السلبي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية
 
يعتبر الأثر السلبي للقوانين التي تعزز دور المرأة وتوفر لها الحماية القانونية عاملاً مهماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أنها تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتتمثل الآثار السلبية في هذا الاتجاه فيما يلي:
 
- إضعاف مشاركة المرأة في سوق العمل: إذا تم إضعاف حقوق المرأة وتشجيع الزواج المبكر وتعدد الزوجات، تقل فرص المرأة في التعليم والعمل. ومن المعروف أن التعليم بوابة مهمة لدخول المرأة إلى سوق العمل، وإذا كان الزواج المبكر يمنع المرأة من إكمال تعليمها، فإن قدرتها على المشاركة الفعالة في الاقتصاد تتقلص.

 
-  زيادة الفقر: إذا أُجبرت النساء على الطلاق بسرعة وفقدن حقوقهن الاقتصادية مثل النفقة وحقوق الملكية، فقد يجدن أنفسهن وأطفالهن في حالة فقر. يمكن أن تؤدي زيادة معدلات الطلاق دون حماية كافية للنساء إلى زيادة معدلات الفقر، خاصة بين النساء المعيلات لأسرهن.
 
- زيادة التفاوتات الاجتماعية: يمكن أن يؤدي تشجيع الزواج المبكر وتعدد الزوجات إلى زيادة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. وذلك لأن الأغنياء والمشاهير يستخدمون نفوذهم الاجتماعي للزواج أكثر من مرة، بينما يظل الفقراء فقراء ولا يتمتعون بفرص متساوية.
 
5- التهديدات للهوية الوطنية والمدنية
 
يعتبر قانون الأحوال الشخصية الحالي رمزاً للتقدمية والحضارة في العراق، وتغييره بما يتماشى مع الآراء الدينية المحافظة يمكن أن يهدد الهوية الوطنية والمدنية للدولة. عمل العراق منذ الاستقلال على بناء دولة مدنية قائمة على مبادئ القانون والعدالة الاجتماعية. وقد يكون للتراجع عن هذه المبادئ أثر سلبي على المجتمع
 
6- تسييس الدين: قد يؤدي تعديل قانون الأحوال الشخصية إلى زيادة تأثير التيارات الدينية على السياسة والقضاء، مما يعزز تسييس الدين واستخدامه كأداة للتأثير على التشريع والقانون.
 
7- إضعاف الدولة المدنية: يمكن أن يؤدي تغيير التشريعات لمواءمتها مع الشريعة الإسلامية إلى إضعاف مبدأ الدولة المدنية الذي يهدف إلى فصل الدين عن السياسة. ويمكن أن يؤدي هذا التغيير إلى تضييق نطاق الحريات المدنية والشخصية في المجتمع وزيادة التأثير السلبي على الجماعات غير الدينية أو تلك التي تفضل الاحتفاظ بهويتها المدنية.
 
8- زيادة الصراعات الاجتماعية والطائفية
 
قد تؤدي التعديلات المقترحة إلى تصاعد الصراعات الاجتماعية والطائفية في المجتمع العراقي. وإذا تم إقرار التعديلات دون توافق اجتماعي، فإن الصراع بين الجماعات المدنية والمحافظة يمكن أن يزداد حدة.
 
9- الصراعات الدينية والمذهبية: قد يؤدي تطبيق القوانين الدينية بطريقة تميز بين المواطنين إلى تفاقم النزاعات الطائفية بين المسلمين وغير المسلمين وبين الطوائف الإسلامية المختلفة.
 
ونظراً لهذه الآثار السلبية المحتملة، ينبغي على صانعي السياسات العراقيين التفكير ملياً قبل تعديل قانون الأحوال الشخصية. ومن الضروري تحقيق التوازن بين حماية القيم الدينية وحماية الحقوق المدنية لجميع المواطنين لضمان عدم تفتيت المجتمع العراقي وبقائه موحداً. وينبغي أن يكون الإصلاح القانوني جزءاً من حوار وطني شامل يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك النساء والأقليات والفئات الأكثر ضعفاً.