الأكاديمي مروان سوداح
نظَّم فرع "زاقاتالا" للجنة الدولة الأذربيجانية لشؤون المؤسسات الدينية، مؤخراً، بالتعاون مع إدارة السلطة التنفيذية لمحافظة "بالاكن"، وفرع "بالاكن" لهيئة أمن الدولة، وفرع تعليم "بالاكن"، ندوة لافتة دولياً، تناولت "ماهية التعصب والتطرف الديني ومخاطرهما". اللافت في هذه الندوة الوطنية الكبرى؛ التي تابعت أنا أخبارها؛ والتي تم تجهيزها في أجواء تزامنت وحلول شهر رمضان المبارك مع الصيام الأربعيني الكبير للمسيحيينن، والتي قلَّما نرى انعقاد مثيلات لها في دول العالم؛ كلمات ومداخلات المشاركين من عُلماء دينيين وكوادر رسمية، إذ تناولوا في كلماتهم "مخاطر التعصب والتشدد والتطرف" الذي يتخذ من الإيمان بالله العلي العظيم غطاءً له، برغم أن الأديان من التطرف براء. تطرَّقَ المجتمعون للعواقب الجسيمة للتطرف على المجتمع، ونبَّهوا إلى أن علاقات الدولة والدين التي وضع أسسها الزعيم القومي الفذ، الراحل حيدر علييف رحمه الله، متواصلة اليوم بالجهود الناجحة للرئيس إلهام علييف أطال الله في عمره وسَدَّد خُطاه.
لاحظت، أن المشاركين في هذه الفعالية ذات الأهمية الاستثنائية عالمياً على درجة عالية من الثقافة السياسية والدينية والمسؤولية الوطنية والأُممية، بخاصة في الأوضاع الحالية التي يشهدها العالم، وتتسم بالحروب والمواجهات السياسية، والتعصب الديني أحياناً. ولذلك، تحدث الحضور في الندوة عن الأعمال المتواصلة التي تم إنجازها في هذا المجال، ونجاحها، من أجل المزيد من إحلال الأمن، والأمان، والاستقرار بين مختلف شرائح المجتمع، ولتعظيم منعَتهِ، كما وأكدوا على ضرورة القيام بتدبير فعاليات توعوية وتربوية في فئات الشعب، بخاصةٍ بين القاصرين والشباب رغبةً في التصدي لظواهر وفعاليات جماعات دينية أصولية ومتطرفة، ومختلف النزعات الدينية غير التقليدية المرتبطة بمراكز الأديان الأجنبية التي تعمل على التفريق بين أركان المجتمع ومحاولة زعزعة وَحدته، عن طريق بذر بذور التمييز الطائفي والمذهبي والديني والقومي، أملاً منها لنيل أغراضها المَاكرة. ولهذا، بودي هنا أن أتقدم بالدعوة للتنسيق بين الأُردن وأذربيجان في هذا المضمار لحوار الأديان والثقافات، ولنشر الخصال الإنسانية بين أبناء الله، ولمَنع أصحاب الأجندات السوداء من الإمعان في الخلافات والتفرقة والأحقاد بين الناس والمتدينين.
لم تكن هذه الفعالية الأولى من نوعها في أذربيجان التي تفاخر بانتماء شعبها للعديد من الديانات والهيئات والطوائف الدينية، فقد علمت أن اللجنة الحكومية لشؤون المؤسسات الدينية بالتعاون مع السلطة التنفيذية لمحافظة "صاليان"، عقدت في وقت سابق اجتماعاً إقليمياً لمناقشة موضوع "إعداد فعاليات المؤسسات الدينية في مكافحة التشدد الديني"، والمُلاحَظ للمتابع تواجد العديد من المسؤولين الرسميين والدينيين المهمين في هذا الاجتماع. زرت أذربيجان بدعوة رسمية منذ عدة سنوات، وأصادق وأتواصل يومياً مع عددٍ غير قليل من الإخوة الأذربيجانيين، فقد درسنا سوياً مع بعضنا البعض منذ 44 سنة خلت، في الجامعتين الشهيرتين، جامعة موسكو، وجامعة لينينغراد، إبَّان الاتحاد السوفييتي، وهم كُتّاب أَلْمَعيّون، وأصحاب شهرة واسعة في أذربيجان على كل المستويات الحكومية والشعبية والمهنية، ومعروفون في مختلف طبقات وطبقات الوطن الأذربيجاني، ولدى مواقعهم المهنية في العاصمة باكو. إلى ذلك، هم بارعون بتميز في حقول وأجناس الصحافة والإعلام، وينتمون للديانة الإسلامية، وأنا مسيحي، والعلاقة كانت وبقيت وستبقى بيننا علاقة أشقاء حميمة، ولا حدود فيها للإخلاص المتبادل والمحبة، والتعاون والتنسيق شبه اليومي، ومساعدة بعضنا البعض في فضاءات متجددة باستمرار، وهو لعمري مظهر لامع ومُضيء يَقل نظيره في عوالم اليوم، يؤكد طبيعة المجتمع الأذربيجاني المُنفتح، والمُثقف، والذي لا يعرف الخلافات الدينية والمذهبية المنتشرة في أقطارٍ أخرى، تؤدي بشعوبها إلى صراعات، وقتل وسحل يُنافي القيم والتعاليم الدينية والوضعية والإنسانية وطبيعة الخير المزروعة ربَّانيَّاً في الإنسان.
الشعب الأذربيجاني كان وما زال ملتزماً بقيمه الوطنية الأخلاقية، بالرغم من ويلات الحرب السابقة مع الدولة الأرمنية، التي سبق وبسطت سيطرتها وهراوتها القتالة على مساحات واسعة من أذربيجان، وعلى مواطنين أذربيجانيين، ورتَّبت المجازر العديدة بحقهم، مع أنهم مسالمون، ولا يحملون السلاح، ولا يتقنون الحرب وإطلاق النار، وكثيرون منهم من الرجال والنساء من الطاعنين في السن، والأطفال والرُّضّع! وبالرغم من الأحقاد غير المُبررة دينياً وقانونياً وإنسانياً التي يحملها عسكر أرمينيا، تعمل أذربيجان دولةً وحكومةً وشعباً ورجالات الدين من مسلمين ومسيحيين، على أجندة روحية واحدة وشريفة، يندر للدول الأخرى الاهتمام بها أو نشرها في أوساط مجتمعاتها. إضافة إلى ذلك، يؤكد العمل الأذربيجاني الكبير في هذا الشأن، أن التطرف الديني ليس من زَرع الأذرييجانيين أصحاب المجتمع التعددي المنفتح والسمح، فالاختلافات والفوارق الاجتماعية مظهر طبيعي لا تفضي بأذربيجان إلى أي نزاعات طائفية أو مذهبية. واللافت، أن جمهورية أذربيجان تعمل رسمياً وجماهيرياً على التفريق الموضوعي بين ما هو تقليدي، وما هو مُتشدِّد، تماماً كما هو هذا الأمر في وطننا الأُردن، حيث نعمل سوياً مسيحيين ومسلمين من أجل تعزيز اللُحمة الوطنية التي صارت قيمة إضافية لمجتمع تعددي متآخٍ ومتحاب تحت الراية الخفاقة لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم، سبط بني هاشم الأخيار، وسليل الدوحة النبوية، ليبقى تاجاً على رؤوسنا أبد الدهر.
*رئيس اللوبي "العربأذري" الدولي.
** المصدر صحيفة الانباط الاردنية