مشخل كولوسى / كاتب و باحث كردي، المدير المسؤول لصفحة جين به كوردي.
لا یخفی علی أحد، أن عصر الهیمنة الغربية قد اقترب من أفوله. نهاية الحضارة والقيم الغربية أصبحت من الحتميات التاريخية التي سوف تنعكس في تفعيلات يومية وعميقة على مدى الإزمان المُقبلة. ينبغي للبشرية أن تكون مستعدة لهذا التحوّل الضخم في الدورتين التاريخية والحضارية.
هيمنة الغرب في العصور المطوية جلبت ويلات وكوارث لا حصر لها على البشر والحجر، وعلى أُمم “منطقة الشرق الأوسط” خصوصاً. فمنذ الحملات العسكرية الأوروبية لأحتلال المنطقة، تلاحقت أهوال تلو أهوال، فالغرب في حد ذاته أصبح وبالاً على شعوب منطقتنا.
الاحتلال الاستعماري ثم التقسيم الإمبريالي للأُمم كانتا وما زالتا لهذه اللحظة السِّمتان البارزتان في التاريخ المُبكي للأمم، فمنذ أن وطأت أقدام الغرب وكومبرادورياته أراضينا، شرعت الشعوب بمقاومة قوية للعدوان الأُوروغربي.
أما في العصر الحديث، وخصوصاً بعد انهيار الأتحاد السوفييتي “للأسف”، وقيام نظام القطب الواحد، غدت الويلات أشد فتكاً وأكثر وضوحاً، وأوسع أهدافاً ومقاصداً لصالح الدخيل – اللص.
وفي ظل سيادة نظام القطب الواحد، دَبَّجَت الدوائر الدعائية الغربية حملات تضليلية، واستحدثت تدخلات سياسية غير شرعية، بهدف محو ذاكرة الشعوب، والتغطية على التاريخ الأستعماري المُزري الذي يَشهد على وحشية بالغة ضد الإنسان والأنسانية في منطقتنا، وجرى كل ذلك تحت اسماء وعناوين شتى، كالعولمة تارةً، ومحاربة الأرهاب في أخرى، وهلمجرا…الخ.
الحدث الكبير في هذه المرحلة من حياة شعوبنا، هو صعود الصين، وإشغالها مركز العملاق الاقتصادي، والتكنولوجي، والعلمي، والحضاري الأبرز، لإغناء الحضارة البشرية وجوهرها. هذا الصعود المثير للاهتمام والقوي يضع العالم أمام تغيير جذري كبير لا حدود له. لذا، على الشعوب التي ذاقت “الأمرين” في مواجهة حِراب الأستعمار الغربي، أن تستعد لهذا التغيير البنيوي الواسع في النظام الجديد الذي سينال من المعسكر الرجعي المضاد الذي ما زال يتدثر بالهيمنة والتوسع اللاشرعي، على حساب مليارات البشر ومصالحهم الحياتية والروحية.
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا، إن صعود الصين بهذا الحجم وهذا الشكل الذي يراه العالم وتتابعه دوائر صُنع القرار، قد يُشكِّل منعطفاً يتقدم خلاله الشرق على الغرب، بكل ما يعنيه هذا التحليل المنطقي للأحداث المفصلية والتحولات الراهنة في فيافي المَعمورة، وهو ما سيقودنا إلى صرح جديد في العلاقات الدولية على أسس وقواعد نافعة للعوالم غير الغربية التي طغت طويلاً على الأُمم، وبالتالي بات لزاماً عليها أن تتنحّى جانباً.
يُلاحِظ القاصي والداني، أن (إستراتيجية الحزام والطريق) الشهيرة هي الأبرز في تجليات هذا التحوّل، ويتأكد للجميع تدريجياً تفعيلاتها الكبيرة وبالتالي آثارها العميقة على حياة الدول والبشرية التي يشملها هذا الطريق بأهدافه السلمية، ومنافعه الجَمعية.
إذا تمعّنا في النظر في الخريطة الجيوسياسية، نجد أن “الطريق” يُحاذي في سيره مدينة اربيل (عاصمة كوردستان العراق). وبالتالي، يَصح لنا أن نستنتج أن كوردستان ستطرق بنجاح مَمَراً برياً آمناً، يربط ما بين آسيا وأوروبا، وهو ما سيعمل على تعزيز مكانة كوردستان دولياً وسكان المنطقة، والعراقيين عموماً، لجهة توفير فرص عمل جديدة، متعددة في عناويتها، لصالح المواطنين العراقيين عموماً في مختلف الفضاءات التي تختص بهذا الطريق الصيني الأممي، الذي ستفضي انعكاساته الملموسة على حياة “المواطن العادي”، إلى ناحية رفع مستوى المعيشة والوفر المالي للسكان، وسنلمس ونرى أيضاً، كيف سينظر الكورد إلى هذا الدور الصيني غير المسبوق في تاريخهم بشكل عام.
من المعروف، أن إحدى المزايا المهمة في هذا الحضور الصيني، والسبب الحقيقي لقبول الناس بوجود الصين ودورها، هو أن بكين خالية مني أي دور استعماري، فالصين الشعبية والاشتراكية لا علاقة لها وليست مسؤولة عن أي خراب وأحداث مؤلمة تعرضنا نحن إليها، بل المسؤول الأول والأخير عن ذلك كله، إنما “هو الغرب”، الذي بدأ نجمه ينحى إلى الأفول بفضل الصعود الصيني الجبار.
لذلك، نلمس توافر نظرة إيجابية وأمزجة شعبية كوردية واسعة إيجابية لقبول الصين في كوردستان العراق، واستعداداً لا بأس به للتعامل مع هذه القوة العملاقة، ضمن ما يسمح به القانون الدولي، والواقع السياسي المُعاش في كوردستان.
إستراتيجية الحزام والطريق ستكون مختلف عن بقية الإستراتيجيات في اليوميات الكوردستانية بخاصة تلك الإستراتيجيات التي “جرَّبها” الغرب على جلودنا.
في بداية البدايات، كان التحرك الصيني بتدشين قنصلية في اربيل، سنة 2014، ومنذ حلول هذا الحدث وإلى اليوم، تواصلت العلاقات الطيبة بين كوردستان والصين، على المستويين الرسمي والشعبي، ونُلاحظ بجلاء صعودها المستمر. فمجرد افتتاح القنصلية الصينية، تشكَّل في المنطقة حدث جديد فارق، مهم للغاية ومتميز في صورته وجوارحه، كتعبير عن اهتمام الصين بكوردستان وموقعها، كما سبق وصرح بذلك نائب وزير الخارجية الصيني في حفل افتتاح القنصلية.
في خطوة جديدة، بدأت الصين من خلال (شركة بكين للأستثمار)، بتخصيص 5 مليارات دولار لأنشاء مدينة (happy city) في اربيل. وسيكون هذا المشروع منتجع كبير للغاية، ويُعتبر مشاركة فعَّالة في إعمار كوردستان وإنشاء البُنى التحتية في الإقليم الكوردستاني.
سيُتمم هذا المشروع على مساحة قدرها خمسة ملايين متر مربع، ويتسع لِ 15 مليون سائح سنوياً، وسيوفر مستقراً للرحة والاستجمام لِ 80 ألف شخص بشكل دائم، إضافة الى توفير فرص عمل لِ 8 آلاف عامل وموظف.
ووفقاً للدوائر الرسمية، فإن هذا المشروع الكبير لتطوير البُنى التحتية في كوردستان، هو مجرد بداية، وسوف تساهم الصين ومن خلال إستراتيجيتها الكونية (الحزام والطريق)، بصورة أوسع في تأسيس بُنية تحتية متطورة وعصرية في كوردستان، تتماشى بالطيع مع المكانة الدولية للتحضُّر.
أنها يا سادة بداية العصر الصيني هنا وفي العالم.. بداية مختلفة عن كل البدايات التي تابعناها وشاهدناها متألمين في صفحات تاريخنا الحافل بالخراب والحملات التدميرية الغربية.
“كوردستان في قلب الحرير”!، شعار سيؤدي بنا جميعاً وقريباً إلى التمتع باُنموذج غير مسبوق في التطور والإعمار والإزدهار والتفرّد لكوردستان، وشيئاً فشيئاً سنخرج من عباءة الغرب، ومن تحت هيمنته، وستبزغ أمامنا شمس العصر الجديد بكل تجلياتها، عصر نتذوّق فيه معنى العدالة، وستُعد كوردستان موطناً لشَلالات الكرامة الأنسانية العائدة إلى تدفقاتها شاء الغرب أم أبى.