على هامش التغييرات الدراماتيكية العالمية و ألاحداث الاقليمية وفي خضم تعقيدات كثيرة عقد العراق مؤتمرا ، لذلك راى "معهد ميديتريانه للدراسات الاقليمية" لتحليل الاوضاع الاقليمية أنه من الضروري أن يتناول زيارة الرئيس ماكرون وكذلك موقع اقليم كوردستان ودور شخصياته السياسية أمام أنظارو رؤى المختصين المحليين والاجانب ولمواقع مختلفة ، هنا الرئيس معهد ميديتريانة للدراسات الاقليمية " بهروز جعفر " - دكتوراه في العلاقات الاقتصادية الدولية، يقدم رؤاه حول الموضوع:
ملخص
أخيراً وبعد محاولات جمة من قبل رئاسة الجمهورية والحكومة العراقية ومؤسساتها، وبعد سلسلة من الزيارات الخارجية، انعقد ما سمي ب"قمة بغداد" التي لم ترتق لمستوى "قمة". حيث مثل كل من مصر والأردن وفرنسا، برؤساءهم الذين زاروا العراق من قبل، وقبلها كانت هناك اتصالات هاتفية مستمرة بين مسؤولي العراق وتلك الدول.
في الوقت الحاضر تواجه العراق سلسلة من التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية الكبرى، وليس بمقدوره إجراء مناورات سياسية كبيرة، وأن يمثل دور الوسيط بين القوى الأقليمية. كذلك فإن الدول المشاركة في القمة، ليس بأمكانها تغيير الواقع الأمني والاقتصادي للعراق.
المهم، أن هذه القمة إضافة الى الأحداث العالمية والإقليمية، أتاحت فرصة أمام إقليم كوردستان:
أولا: فرنسة العالم
مجلة نيوستيتسمان (New Statesman) البريطانية والتي كانت منذ (1913) تهتم بتثمين السياسة الليبرالية وتطوير ثقافة المملكة البريطانية، بعد أحداث كابل وقبل ثلاثة أيام فقط من زيارة ماكرون للعراق في 26 آب 2021 ، نشرت مقالاً مليئاً بالأدلة الدامغة تحت عنوان“ Why the world is becoming more French” أي: لماذا يتجه العالم نحو المزيد من الفرنسة. إن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعل فرنسا في عهد ماكرون، تبحث عن دور أكثر فعالية في أوروبا، كما أن انسحاب أمريكا من شرق الأوسط الكبير، كأفغانستان والعراق وسورية ولبنان جعل فرنسا تبحث أيضاً عن إرثها التاريخي في المنطقة، وبالتالي وضعت الدول الأوروبية تحت طائلة مسؤولية حماية أنفسهم دون الاعتماد على أمريكا.. وحسب نيوستيتسمان فإن العالم يتغير ببطء و يتوجه الأصدقاء رويدا رويدا نحو فرنسا!
ثانيا/ فرنسا وعامل إقليم كوردستان
أما عامل فرنسا وماكرون، فإنهما يعاصران زمن يهيأهما لانعطاف كبير. ولإقليم كوردستان موقع مهم لستراتيجية فرنسا، خاصة من الناحية الأمنية والاقتصادية والثقافية. والسؤال هو: هل لإقليم كوردستان جاهزية لهذه التحولات وصنع القرار ثم تقرر جنبا لجنب تلك المتغيرات؟
فالشخصيات السياسية في العراق ليست بمستقرة. هذا ما جعل كلاً من السعودية وتركيا وإيران يشاركون بوفود رفيعة المستوى، إذ إكتفوا بمشاركة وزراء خارجياتهم! فتلك القوى الإقليمية لا تحضر قمة، يشرف عليها ساسة لم يتبق لهم سوى شهرين أو ثلاثة أشهر في الساحة السياسية العراقية.
في إقليم كوردستان وفي العصر الحديث، فإن مهندس العلاقات مابين حكومة الإقليم وفرنسا وفي الوقت الحاضر، هو "نيجيرفان بارزاني" .
"نيجيرفان بارزاني" هو الآن رسمياً رئيس إقليم كوردستان، وبعد أحداث 16 اكتوبر 2017 رفع الحصار الإقليمي والدولي عن إقليم كوردستان. وفي الوقت الحالي فإن الشخصية السياسية لنيجيرفان بارزاني هي الضامن المؤثر لحفظ توازن القوى بين إقليم كوردستان وبغداد، بين الإقليم وإيران، بين الإقليم وتركيا، كما وإنه ممثل إقليم كوردستان في مسيرة أخلاقيات السياسة.
لإقليم كوردستان أهمية ستراتيجية لفرنسا ورئيسها ماكرون، منها:
أولا: يعتبر الأقليم وغرب كوردستان سورين أمنيين كبيرين لعموم أوروبا. ولمنع وصول الإرهاب وملايين اللاجئين والمهجرين لأوروبا، يجب على فرنسا أن تثمن دور المنطقة وتدعمها. فإن سوريا وحسب اتفاقية سايكس-بيكو كانت من حصة فرنسا، كما وأن فرنسا منذ ما يعرف بالربيع العربي، ظهرت كوريث شرعي للمنطقة، وتعتبر الإقليم كمعبر بري وحيد آمن لإرسال المساعدات اللوجستية لغرب كوردستان.
ثانياً: من حيث التوقيت، فإن انسحاب أمريكا وقوات ناتو من أفغانستان خلف دخاناً كثيفاً، يدل على نار كبيرة، لذا لا يرغبون تكرار تجربة أفغانستان في العراق مرة أخرى.
ثالثاً: من الناحية الاقتصادية، فإن النفط والغاز والكهرباء من أولويات فرنسا. فمنذ (1920) لفرنسا تجربة قرن من استخراج وإنتاج النفط في العراق. كانت لإيران وفرنسا علاقات قديمة، و فرنسا منذ زمن ليس بقصير تبحث عن منطقة نفطية بديلة لإيران.
عموماً فإن فوائد مؤتمر قمة بغداد تصب في مصلحة إقليم كوردستان. لأن الإقليم استطاع إقناع بغداد بحث قضايا قصف وتدخلات تركيا والهجمات المتكررة للميليشيات المسلحة على أربيل وانشغال بغداد بتلك القضايا في مؤتمر قمة بغداد. علاوة على ذلك فبعد سيطرة مسلحي داعش وتفجير خط جيهان الناقل للنفط بين كركوك وجيهان. فمنذ الخامس من آذار 2014 الى الآن يتم نقل النفط عن طريق أنابيب كوردستان، دون تسديد بغداد أية رسوم جمكركية! لذا فمن الناحية الأمنية والاقتصادية ينبغى على بغداد والمجتمع الدولي حماية إقليم كوردستان من مخاطر التهديدات غير المحسوبة، لأن (40%) من احتياجات تركيا تؤمن من قبل العراق، كما يؤمن العراق (8%) من احتياجات فرنسا النفطية.
ضمن هذا الأطار فإن الرئيس الفرنسي ماكرون، سوف يزور إقليم كوردستان، وتعتبر الزيارة حدثاً بالغ الأهمية و هي الزيارة الأولى للأقليم، كما زار الأقليم سابقاً الرئيس الفرنسي الأسبق "فرانسوا هولاند" في 12 سبتمبر 2014 .
كما تعتبر زيارة ماكرون لأقليم كوردستان حدثاً دبلوماسياً كبيراً ذا أبعاد متعددة، أينما وكيفما تحلل، فإنها محط للاهتمام.
ثالثا/ إقليم كوردستان وستراتيجية المدى الأوسط لفرنسا
فرنسا هي حاضنة لفكر ستراتيجية الشراكة في البحر الأبيض المتوسط (ميديتريانة-Mediterranean). فالبحر الأبيض المتوسط من الناحية الجيوسياسية، نقطة التقاء ثلاث قارات – آسيا وأفريقيا وأوروبا- و تطل كل من تونس وليبيا ومصر وصولاً الى سورية على بحر الأبيض وحكمتها فرنسا لحقبة من الزمن. فرنسا ذاتها تطل على البحر ذاته، ومنعت تركيا عسكرياً من إكمال خططها في ليبيا. كما منعتها من أن تكون مصدر تهديد لجزيرتي اليونان والقبرص، و في كانون الثاني 2020 تم إكمال أنبوب نقل الغاز بطول 1900كم بين قبرص وإسرائيل الى جزيرة كريت اليونانية. حيث يتم استخراجه من تحت مياه البحر، اذ يمتد داخل حدود شمال سورية – المناطق الكوردية الغنية بالغاز- بطول 150كم. أما إقليم كوردستان كرقعة جغرافية مهمة وغنية بالغاز الطبيعي، ينبغي عليه تهيئة نفسه كي يكون جزءاً من هذا التحالف الستراتيجي للطاقة في شرق البحر الأبيض. وهذا كان السبب الرئيس لعدم مشاركة أردوغان في مؤتمر 28 آب 2021 الذي لم ولن يخرج بنتائج إيجابية للعراق.
بدأت التحولات العالمية رويدا رويدا. وتبدو فرنسا تنظر بشكل أقوى من أوربا الى مصالحها في البحر الأبيض والعراق وإقليم كوردستان، فلإقليم كوردستان رغم المخاطر الداخلية والإقليمية مقعد مضمون في هذه القاطرة.
النتائج:
إقليم كوردستان منطقة آمنة في الشرق الأوسط، وفرنسا منذ سنوات عديدة تبحث عن موطئ قدم في هذه الرقعة الجغرافية. الذين شاركوا في المؤتمر قد حضروا لأهداف تخص بلدانهم وليس لتسهيل أمور العراق. يزود العراق كلاً من مصر والأردن بالنفط بأسعار زهيدة جدا، وكان لديهم مؤتمر في العراق يسمى ب"الشام الجديدة" لم يستفد العراق منه.
الطامة العراقية أكبر بكثير من المؤتمرات ولا تعالج بمؤتمر قمة بغداد. فمغ الوضع الحالي للعراق لن يرسو البلد الى بر الأمان ومن المتوقع أن تنفجر الأوضاع قبل أو بعد إنتخابات 2022 بشكل خطير ودراماتيكي. الإنسحاب التدريجي لقوات أمريكا من العراق، وتفاقم المعضلات، مع عدم تحمل المسؤولية، إضافة الى تفشي جائحة كورونا، وتصاعد نشاطات داعش، تناحر القوى السياسية و السياسيين في السلطة فيما بينهم، و إزدياد التدخلات الإيرانية تجر العراق الى العنف بين مسلحي الحكومة وغير الحكومة (الميليشيات).