على هامش التغييرات الدراماتيكية العالمية و ألاحداث الاقليمية وفي خضم تعقيدات كثيرة عقد العراق مؤتمرا ، لذلك راى "معهد ميديتريانه للدراسات الاقليمية" لتحليل الاوضاع الاقليمية أنه من الضروري أن يتناول زيارة الرئيس ماكرون وكذلك موقع اقليم كوردستان ودور شخصياته السياسية أمام أنظارو رؤى المختصين المحليين والاجانب ولمواقع مختلفة ، هنا الكاتب والصحفي " عبدالوهاب طالباني" المقيم في استراليا يقدم رؤاه حول الموضوع:
العلاقات الكوردية الفرنسية
"على القيادة الكوردية أن تستفيد من الموقف الفرنسي الى اقصى اقصاه"
هناك مرحلتان مختلفتان في المواقف السياسية لفرنسا إزاء كوردستان والمسألة الكوردية ، فالمرحلة الاولى تبدأ منذ مؤتمر سايكس بيكو 1916 وما تلاه بعد ذلك من مؤتمرات واتفاقيات إثر هزيمة الدولة العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ، وقد كانت فرنسا من أهم الدول الموقعة على تلك الاتفاقية ، ودون عودة الى الشعب الكوردي أو اي حساب لرغبة الكورد في تقرير مصيرهم مثل سائر الشعوب الاخرى في المنطقة .
ثم جاء مؤتمر الصلح 1918 وفي هذا المؤتمر الذي اشتركت فيه فرنسا أيضا بالاضافة الى بريطانيا وأميركا تم تقسيم ارث الدولة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا ، وقد كان هناك وفد كوردي غير رسمي في المؤتمر وحاول اثارة المسألة الكوردية ، ويقال أنه برز في هذا المؤتمر نوع من الاهتمام الفرنسي ولاول مرة باوضاع كوردستان ولكن دون أن ينتج عنه أي اجراءات ذات قيمة سياسية على الارض. وقد اتفقت الدول المشاركة فيها على اقتسام التركة العثمانية بعد ذلك في مؤتمر سان ريمو 1920 بالاعتراف بالانتدب البريطاني على العراق وفلسطين والانتدتاب الفرنسي على سورية ولبنان والتمهيد لمؤتمر سيفر.
ففي مؤتمر سيفر عام 1920 تم توقيع اتفاقية أخرى وكانت أيضا فرنسا من أهم الدول التي وقعتها الى جانب بريطانيا وايطاليا وبلجيكا واليونان واليابان ودول أخرى ، وقد تضمنت الاتفاقية في بابها الثالث المواد 62 و 63 و 64 التي نصت بشكل واضح تقريبا على انشاء دولة كوردية في شمال كوردستان " " او "كوردستان تركيا" ونصت على أنه يمكن ان ينضم لها جنوب كوردستان او كوردستان العراق التي كانت حينها تسمى ب" ولاية الموصل" .
تلا ذلك مؤتمر لوزان 1923 الذي حضرتها فرنسا وبريطانيا حيث منع مناقشة القضية الكوردية تماما بناء على المطالبات التركية ، ومُنع وجود اي وفد كوردي فيه وتم تجاهل القضية الاخرى ، ووضعت ملفاتها على الرفوف العالية في محاولة دولية سافرة لطي صفحة حقوق شعب كوردستان.
ويظهر تماما ان المصالح الدولية هي التي تحكمت بكل القرارات التي تمخضت عنها تلك الاتفاقيات التي وقعتها دول من بينها فرنسا ، ولم تراع تلك الاتفاقيات حقوق شعب كوردستان أبدا.
ولكن ومنذ أن تسلم الرئيس فرانسوا ميتران "1916-1996" الحكم في فرنسا لفترتين رئاسيتين بين 1981- 1995" بدأت مرحلة ثانية ، تبين بوضوح ميل سياسي نحو القضية الكوردية واهتماما غير عادي بها، حيث كانت فرنسا من أهم الدول التي وقّعت على منع الحظر الجوي على كوردستان في العام 1991 وبموجب القرار 688 الذي تضمن حماية الكورد من الهجمات الجوية ، واستقبلت فرنسا الاف اللاجئين الكورد ، وصرحت بفتح المعهد الكوردي في باريس عام 1983 .
كما كانت لفرنسا اهتماما واسعا باوضاع كوردستان ايضا ايام الرئيس السابق "فرانسوا هولاند" زار كوردستان لمرتين ، والذي قال في كتابه " دروس السلطة" ان "الكورد هم أبطال النصر على داعش"، ، والتقي بالرئيس بارزاني عدة مرات سواء في اربيل او باريس. وجهز البيشمه ركه بالاسلحة والاعتدة وارسل جنودا ومدربين الى كوردستان .
وعموما كانت الرئاسة الفرنسية على الدوام ومنذ رئاسة فرانسوا ميتران والى الان على اتصال دائم بكوردستان ومع الحكومة العراقية لحل المشاكل والمعضلات بين الحكومتين ، وكان افتتاح القنصلية الفرنسية في اربيل خطوة مهمة اخرى على طريق تمتين العلاقات الكوردية الفرنسية.
وقد استمر الرئيس ايمانوييل ماكرون على النهج نفسه ، فمضى في ستراتيجية تمتين العلاقات الكوردية الفرنسية ، واستقبل الرئيس نيجيرفان بارزاني ثلاث مرات في الاليزيه .
وستكون لزيارته المرتقبة الى كوردستان " الاحد" أهمية خاصة ، اذ أنها تتم في اوضاع دولية وأقليمية متشابكة في الشرق الاوسط حيث يدور الكثير من النقاشات حول تداعيات الانسحاب الاميركي من أفغانستان، واثار إنسحابها من العراق أيضا ، أو تغيير عنوان الوجود الاميركي المسلح في العراق وكوردستان كجيش مقاتل الى وحدات خاصة بالتدريب .
وكما ممعروف ان لفرنسا وجود عسكري ايضا في كوردستان لتدريب قوات البيشمه ركة ، فهل سيؤثر القرار الاميركي على التواجد الفرنسي أيضا في كوردستان ، ومسألة مواجهة داعش الذي يبدو انه عاود العمل الارهابي فيهاجم المناطق الملاصقة لكوردستان أو مناطق المادة 140؟ وماذا سيكون الموقف الفرنسي من إستمرار ضرورة تلبية إحتياجات البيشمه ركه إلى السلاح والاعتدة التي تمانع الحكومة الفيدرالية العراقية تقديمها الى البيشمه ركة منذ ظهور داعش الى جوار حدود كوردستان؟
وماذا بشأن المشاكل الاخرى " المادة 140 ، رواتب البيشمه ركه ، وموضوع النفط..الخ" بين الحكومة العراقية وحكومة كوردستان وخارطة حلّها ؟ وهل أنّ فرنسا سيكون لها شأن في هذا الموضوع الذي يعتبر شائكا مع عقلية النخبة الحاكمة في العراق ، والذي يعتبر الشرارة بين كوردستان والعراق وينذر بالانفجار في اي وقت على الرغم من الصبر الكوردستاني " الايوبي..!" الطويل جدا . وكذلك مواقف الدول المحيطة بكوردستان في الشأن الكوردي وتدخلاتها . وتطورات البيت الكوردي الداخلي.
وماذا بشأن الانتخابات المزمع اجراؤها في اكتوبر القادم والنتائج المتوقعة منها وسلامة اجراء الانتخابات ؟ فشكل الوضع العراقي القادم يهم فرنسا سياسيا واقتصاديا ..
في اعتقادي هذه المسائل ستكون المحاور والعناوين الرئيسية لمحادثات الرئيس الفرنسي مع قيادات كوردستان ، وستحاول فرنسا وكالمعتاد بذل جهودها للتقريب بين وجهات النظر الكوردية والعراقية ، ومحاولة رأب اي صدع بين الكورد من جهة وبين الحكومة العراقية والميليشيات المرادفة للحكومة العراقية من جهة أخرى .
إن سياسات فرنسا في احتضان التجربة الكوردستانية ودعمها في حدود الفيدرالية ستستمر في رايي ، ولكن هناك الكثير من الوقت كي تفهم فرنسا والدول الكبرى عقليات الانظمة المركزية التي تتحكم بكوردستان سواء في جنوبها او شمالها او شرقها او غربها، كما أن كوردستان يجب أن تفهم ةأن لا فرنسا ولا بريطانيا ولا اميركا ستأتي لتحاور شعبنا على استقلالها ، على القيادة الكوردية أن تستفيد من الموقف الفرنسي الى اقصى اقصاه ، أما مسألة تقرير مصير كوردستان فسيظل في يد وارادة وثبات شعب كوردستان. ..
فرنسا وغيرها من تلك الدول ستظل والى مراحل اخرة سترافع عن الحدود التي صنعوها ووضعوها في سايكس بيكو وسيفر ولوزان ومؤتمر الصلح.
ويبقى مصير كوردستان مستقبلا فقط بيد شعيها ، على أن يعي جيدا اللعبة المسماة بلعبة الامم.