مرت العلاقة الامريكية العراقية بمرحلتين. المرحلة الأولى بدأت في العام (2003) مع سقوط نظام صدام حسين وحتى العام (2011) حيث انسحاب القوات الامريكية من العراق، أما المرحلة الثانية لهذه العلاقة بدأت في العام 2014، وذلك من خلال الاشراف المباشر ومساعدة قوات التحالف بالحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واستمرت لمنتصف العام 2017.
لقد شهد العراق الكثيرمن التحولات والتغييرات خلال تلك الفترة، وكانت إيران تمثل الجهة الرئيسية فيها، وبذلك تبدأ المرحلة الثالثة في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية.
إعادة تنظيم القوات الامريكية في العراق
هل يتطلب وجود الولايات المتحدة في العراق تعريفاً واضحاً لإعادة التنظيم؟ خاصة بعد مقتل قائد جيش القدس الإيراني (قاسم سليماني) ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي (أبو مهدي المهندس)، قصف القواعد العسكرية الامريكية في العراق وفيما بعد تصويت البرلمان العراقي بـ 20 كانون الثاني للعام 2020، بطرد القوات الأجنبية من العراق، وفي مقدمتها القوات الامريكية.
ونتيجة عدم وجود مناخ ملائم للقوات الامريكية، بالإضافة إلى تفشي وباء كورونا في جميع أنحاء العالم، قررت الولايات المتحدة في (20 أذار لعام 2020) الانسحاب و إخلاء قاعدة القائم وقاعدة غرب الغيارة والقاعدة الجوية كي ون k-1، كما تم إخلاء أربع قواعد عسكرية أخرى متمركزة حول مطار بغداد.
ولهذا يرى "مركز بيان للبحوث والتخطيط"، ومقره بغداد، أن كل من قاعدة (عين الأسد) الجوية على الحدود السورية، وقاعدة (حرير) في أربيل، والقاعدة العسكرية (التاجي) قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من خطة الولايات المتحدة لإعادة تنظيم شؤونها العسكرية والأمنية في العراق.
تقييد تحركات إيران
على هامش الضربات الصاروخية للقواعد العسكرية الأمريكية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 27 أذار لسنة 2020 تقريرا Mark Mazzetti and Eric Schmitt: Pentagon Order to Plan for Escalation in Iraq Meets Warning From Top Commander. ويتحدث فيها بوضوح أن البنتاغون قررت تدمير وإزالة «حزب الله» في العراق. لأنهم كانوا وراء الضربات الصاروخية التي استهدفت القواعد العسكرية في العراق!.
انطلاقا من ذلك ، تعمل الولايات المتحدة الامريكية على نشر صواريخ الباتريوت في أربيل وقاعدة عين الأسد، بالاضافة الى تثبيت نظام الدفاع القريب المدى في قاعدة (التاجي). وهذا الخيار المستقر والاكيد يشير الى أن الوجود الأمريكي في العراق مستقر واستراتيجي. كما أعلن وزير الخارجية الامريكية "مايك بومبيو" في (7 نيسان لعام 2020) داخل مبنى وزارة الخارجية، دعونا العراق إلى حوار مفصلي، وندعم حكومة عراقية بعيدة عن الاعمال الطائفية وقادرة على إنهاء الإرهاب والفساد.
الغاز الطبيعي ... فرصة جديدة للتنسيق
منحت الولايات المتحدة الامريكية في 4 مايو / أيار العراق ستة أشهر لإنهاء مشتريات الغاز من إيران. وفقًا لمسح وتحليل معهد البحر المتوسط للبحوث الإقليمية – MIRS ، يمتلك العراق (112) تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ويحتاج إلى استخدام (700) مليون قدم مكعب في اليوم. ومع ذلك في سنة (2011) اتفقت العراق وإيران على بيع إيران (50) مليون متر مكعب يوميا إلى العراق. لكن بحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء العراقية «أحمد عبادي»، طرأ تغير على هذه الكمية مع زيادة إيران لاحتياجاتها المحلية. لذلك ومنذ أيار 2020 يتم استرداد (3) مليون متر مكعب من الغاز يوميا من إيران!.
إذا توقفت واردات إيران من الغاز، سيتم حرمان العراق من (4000) ميغاوات من الكهرباء. وبدلاً من ذلك، سيحتاج العراق الى حقل (عكاظ) في محافظة الأنبار، والذي يقع جنوب بلدة القائم، وهو أكبر حقل للغاز في العراق ولديه حاليًا (5.3) تريليون قدم مكعب من الموارد الطبيعية.
إن العراق دولة غنية بشكل عام بالغاز الطبيعي، وخاصة الحقول المتواجدة في إقليم كردستان. ففي الوقت الذي تبيع إيران الغاز للعراق بخمسة أضعاف السعر العادي لسوق الغاز، يمكن للعراق شراء الغاز من إقليم كردستان داخليا، سيكون هذا عاملاً للاستقرار السياسي الداخلي والمصالح المشتركة للكورد وبغداد. يوجد في إقليم كوردستان العديد من حقول الغاز الكبيرة، وحقل بناباوي (4.9) تريليون قدم مكعب، خورمال (3.6) تريليون قدم مكعب، وكورمور (4.4) تريليون، وجمجمال (3.4) تريليون قدم والميران (3.5) وكوردمير (2.3) تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى الحقول الأخرى مثل أتروش وتاوكي وسامويل وشيخ عادي و... .وهي حقول نفطية وتنتج كمية صغيرة من الغاز.
إن مادة الغاز الطبيعي أصبحت ظاهرة ومصدر الاتفاقات والصراعات الإقليمية. تشتري تركيا ما بين 45 إلى 60 مليار دولار من الغاز سنويًا من روسيا وإيران وأذربيجان ونيجيريا والجزائر. وفي العام 2019 تم تفجير خط أنبوب الغاز بين تركيا وإيران، وفي نهاية أيار 2020 رفضت الحكومة التركية إصلاح خط الأنابيب!. لأنهم يعتقدون بأن الإيرانيين سيعملون على إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي من ميناء البصرة إلى سوريا لدعم ومساعدة بشار الأسد.
بصورة عامة، إن حقول الغاز الطبيعي والخزانات في قزوين والخليج، والبحر الأبيض المتوسط هي في خضم المنافسة السياسية والمناورات العسكرية لحماية مناطق مصالحهم. وفي هذه الأثناء، يحتاج العراق وإقليم كوردستان بشكل خاص إلى الوصول لموقعهم الاستراتيجي ضمن هذه المنافسات.
إقليم كوردستان: الإصلاح أوالتقسيم؟
تشهد مكانة الكورد في منطفة الشرق الأوسط تطورا ملحوظا يوما بعد يوم، لكن الكورد قوة غير مهيأة بعد لكي تتمكن من الاستفادة من التهديدات الموجودة ، فالحرب ضد تنظيم داعش وومرحلة الـ 16 اكتوبر للعام 2017، ومع انتهاء مرحلة السلطة الكوردية في كركوك ، وهبوط سعر النفط وغياب المؤسسات المالية والاقتصادية في اقليم كوردستان وفقفدان الايردادات ما بين الحزبين الحاكمين الكورد، والأهم من دلك كله التعامل المباشر من قبل الولايات المتحدة الامريكية والدول الاخرى مع الحكومة المركزية ، كل هذه الدلائل تشير الى حتمية عودة اقليم كوردستان للمركز والتي تعني بغداد.
إن عودة إقليم كوردستان للحكومة المركزية في بغداد ، من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى الدبلوماسية ستهيئ العديد من الفرص للاقليم ، والفرصة الرئيسية منها مشاركة الكورد في الحوار الأمريكي – العراقي.
وأيضا لا يمكن لأي دولة من دول الجوار بخلق النزاعات الداخلية من خلال الأحزاب الكوردية وزعزعة الاستقرار الداخلي وتقسيم إقليم كوردستان (يواجه إقليم كوردستان العراق في هذه المرحلة مخاوف الانقسام بسبب الصراع الإيراني - الأمريكي من جهة والصراعات الداخلية بين الحزبين الحاكمين من جهة أخرى).
كما أن إقليم كوردستان متورط في سلسلة من الشكاوي التي رفعتها العديد من الشركات الدولية ووزارة النفط العراقية والمحكمة الاتحادية ضدهم في الماضي.
باختصار، فإن إقليم كوردستان يواجه مخاطر كبيرة ومن المتوقع أن يشهد حالة من الإنقسام، ومن جانب اخر، ترى إيران بالغاز الطبيعي في اقليم كوردستان بديلاً عن الغاز الإيراني لتركيا، من ناحية أخرى، بسبب استقرار نظام صواريخ باتريوت في قاعدة الحرير بالقرب من أربيل.
فيروس كورونا: القلق الكبير الذي يواجه العراقيين
كورونا، وباء مميت، وليس تهديدا مؤقتا. فمن الناحية الاقتصادية وحدها، تضررت أوربا (6) مليار يورو خلال (3) الأشهر الأولى من العام. الفيروس يهدد تقريبا الشرق الأوسط بكوارث انسانية. في تركيا هناك (166.422) هذه الاصابات حتى هذه اللحظة وقتلت (4609) أشخاص. وفي إيران، هناك (160.696) مصاب وقتلت (8012) أشخاص. ناهيك عن ذلك بعدم الشفافية في نشر البيانات بصدد هذا المرض. وبحسب تقرير لرويترز، فإن جميع الأرقام التي أصدرتها الحكومة العراقية بشأن كورونا غير صحيحة. و يتوقع وزير الصحة العراقي حسن التميمي أن يصاب (600 إلى 800) شخص في العراق بفيروس كورونا يوميا. وهذا العدد ضخم بالنسبة لدولة لديها نظام سياسي واقتصادي وصحي متخلف ويبلغ عدد سكانها (38) مليون نسمة (بحسب وزارة التخطيط). كما أكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص للعراق والهيئات الرسمية أن معدل الفقر في العراق وصل إلى (٤٠٪) قبل أن يصبح الفيروس تهديدا كبيرا. استمرار ونمو الفيروس يزيد هذا المعدل بأكثر من مرتين، تواجه الحكومة والشعب لحالة من الانغلاق (Closure) ...
النتائج:
إن العراق ساحة سياسية وايديولوجية واقتصادية وأمنية مهمة لإيران. تريد الولايات المتحدة أن يكون لها وجود محدد وواضح في العراق. لذا سيكون هناك المزيد من المنافسة الإيرانية - الأمريكية في العراق. لهذا السبب يجري العراق والولايات المتحدة حوارا استراتيجيا مع بعضهما البعض. ونتيجة لذلك، يتم تعزيز الموقع العسكري والأمني الأمريكي من جهة، ومن جهة أخرى، تقوم بتدريب وتأهيل القوات العراقية لإضعاف دور الأحزاب والميليشيات.
تعتقد الولايات المتحدة أن إيران وتركيا تتدخلان في شؤون العراق، وإن السلاح ليس في يد الدولة، وإنما في يد الميليشيات أو زعماء القبائل. وكذلك خطر تطوير خلايا داعش هو أيضا أحد الأسباب. من ناحية أخرى، يشكل الفساد تهديدا رئيسيا للعراق وإقليم كوردستان.
لذلك، بات من الضروري أن تعمل الإدارة الامريكية على تقديم الدعم للقوى الكوردية تزامنا مع نشر نظام صواريخ باتريوت، وأن لا تسلم (249) مليون دولار سنوياً كمساعدة لقوات البيشمركة، وأموال النفط والغاز للأحزاب وأطراف الفساد، لأن ذلك سيؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة وتتسبب بالتدخل الإيراني والتركي، وانتفاضة المجموعات المنزعجة والجماعات المتطرفة وانتشار الفقر في المنطقة.
-----------------------------------------------------
*بهروز جعفر: وهو باحث و الصحافي الكوردي، مؤسس و رئيس معهد ميديتريانة للدراسات الاقليمية-MIRS، طالب دكتورا في العلاقات الاقتصادية الدولية بجامعة قبرص الدولي.