- حسين عمر
يُعَد الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، أبرز الزعماء العالميين على صعيد الاهتمام بقضية الشعب الكوردي وإقامة العلاقات المتميّزة مع قيادته السياسية. فهو الرئيس الوحيد الذي زار إقليم كوردستان مرّتين خلال ولايته الرئاسية (الجمعة، 12 سبتمبر 2014) و(الاثنين، 2 يناير 2017)، ومرّة ثالثة بعد مغادرته كرسي الإليزيه وذلك لحضور مراسم منح جائزة شفاء كَردي العالمية السنوية (25 فبراير 2019). كما أنّه استقبل خلال خماسيته في الإليزيه الرئيس مسعود بارزاني لمرّتين (10 فبراير 2015) و(7 سبتمبر 2016) في القصر الرئاسي بمراسم بروتوكولية كاملة إظهاراً لتقديره واحترامه للزعيم الكوردي والقضيّة التي يمثّلها. وفي يوم 8 فبراير 2015، استقبل فرانسوا هولاند وفداً من غرب كردستان برئاسة الرئيسة المشتركة – آنذاك- لحزب الاتحاد الديمقراطي.
في جميع لقاءاته مع القادة الكورد، كان الرئيس الفرنسي السابق هولاند يؤكّد على دعمه ومساندته لقضية الشعب الكوردي وحقوقه الكاملة في إطار الدول التي يتواجدون فيها، كما أنّه أظهر التزاماً عملياً واضحاً وقويّاً في المعركة ضدّ داعش التي خاضتها برّياً بشكلٍ أساسي القوات الكردية من بيشمركة في جنوب كوردستان ووحدات حماية الشعب والمرأة في غرب كوردستان. فعلاوة على المشاركة الجويّة الفعّالة، أرسلت فرنسا بقرارٍ من الرئيس هولاند وحدات من سلاح المدفعية إلى أطراف مدينة الموصل وشاركت بفعالية في معركة دحر داعش في المدينة. ما يُضفي أهمية إضافية على موقف الرئيس الفرنسي هو مكانة فرنسا العالمية بكونها إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي القوّة الخامسة عسكرياً والسادسة اقتصادياً على مستوى العالم، علاوة على دورها السياسي المتقدّم في قضايا العالم ومنطقة الشرق الأوسط.
ينعكس الموقف المتميّز للرئيسي الفرنسي السابق فرانسوا هولاند من قضية الشعب الكوردي في مذكّراته التي صدرت في 11 ابريل 2018 عن دار ستوك تحت عنوان «دروس السلطة».
في مذكّراته يعزو الرئيس هولاند هزيمة داعش بشكل رئيسي إلى المقاتلين الكورد وحلفائهم من العرب؛ فيكتب: «لقد انهار داعش ولكنّ هذا تحقّق بفضل التحالف الكردي-العربي المدعوم من قبل التحالف الدولي» (ص79). ولكنّ هولاند ينتقد الأداء الدبلوماسي للدول الغربية ويصفه بغير المتناسب مع الالتزام العسكري، « فالدول الغربية تركت روسيا تجني لوحدها الفوائد السياسية لهذا الوضع المعقّد» (ص 79-80).
ينتقد الرئيس هولاند بشدّة الموقف الروسي من الأزمة السورية عموماً ومن تواطؤها مع تركيا ضدّ الكورد في سوريا خصوصاً: « روسيا هي التي تحالفت مع تركيا وتركتها تسحق الكورد الذين كانوا أبطال الانتصار على داعش » (80).
ويعبّر الرئيس هولاند صراحةً عن موقفه المعارض لتوغّلٍ تركي في سوريا لضرب الكورد داخلها: «لا يمكنني أن أبقى صامتاً حيال محاولة الرئيس التركي الدخول إلى سوريا لضرب الكورد، الذين كانوا حلفاءنا في الكفاح المكلّل بالنصر ضدّ داعش » (80).
يكتب الرئيس الفرنسي بأنّه يتحدّث بهذه الصراحة لأنّه حرّ: « حينما يكون المرء قي السلطة، تكون للدبلوماسية قواعدها وأصولها التي يجب احترامها. لقد تحرّرتُ منها، وأستطيع أن أتحدّث بصراحة»(80).
في مذكّراته، وهو تاسع كتاب في مسيرته، المكتوبة ببلاغة لغوية مدهشة، يتحدّث الرئيس هولاند بجرأة بالغة، ووضوحٍ وصراحة كبيرين لا يقدر عليها سوى رئيسٍ أراد منذ أوّل أيام دخوله إلى قصر الإليزيه أن يكون رئيساً «عاديّاً»، ولكن أيضاً مختلفاً.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر معهد ميديتريانة للدراسات الاقليمية-MIRS.