- دكتور ناصر زيدان
يبدو في غاية الوضوح أن السياق العام للعلاقات الدولية يمرّ بمنعطفات خطرة، والعلاقات الشخصية المتوترة بين الرؤساء، لا تعمل لمصلحة الاستقرار المنشود، والطموحات المتعارضة لعدد من القوى، تفعل فعلها في تخريب ركائز مرحلة الاستقرار التي غلبت على السنوات السابقة. أما المراعاة، أو المجاملات بين القيادات المؤثِرة في عالم اليوم؛ فهي في وضعٍ أقل من عادي، ويكاد النفور أن يكون أكثر تأثيراً من الدعابة السياسية التي غالباً ما كانت تُنقذ العالم من أزمات مؤكدة الوقوع.
كانت محطة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى الرؤساء في شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام؛ تشكلُ حدثاً استثنائياً، يلتقي فيه رؤساء الدول الكبرى – خصوصاً في حفل الاستقبال التقليدي الذي يُقيمه الرئيس الأمريكي على شرف رؤساء الوفود – وكانت المشكلات الدولية مُتشعبة، ومتنوعة ربما أكثر مما هو عليه الوضع اليوم. والعلاقات الشخصية التي كانت تربط بين عدد من القادة، كانت مؤثرة في حلحلة المعضلات، أو تهدئة التوترات.
لم يشارك في اجتماع الجمعية العامة الأخير قادة أساسيون من دول العالم، خصوصاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واقتصر حضور الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون.
تفاقمت الأزمات الدولية الضاغطة منذ ذلك الحين حتى اليوم، لاسيما موضوع قرار نقل السفارة الأمريكية في «إسرائيل» من «تل أبيب» إلى القدس، الذي جُوبه برفض دولي عارم عبرت عنه 128 دولة مقابل 9 دول مؤيدة عند طرحه على التصويت في الجمعية العامة في2018/1/2. ومن أهم الأزمات الدولية الضاغطة أيضاً؛ الملف النووي لكوريا الشمالية، وملف أوكرانيا، وملف الأزمة السورية المُتفاقمة، وموضوع تسميم العميل الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال. كل تلك الأزمات لم يتم التفاهُم عليها وفقاً للسياق الذي كان مُتبعاً.
برغماتية الرئيسين ترامب وبوتين؛ لم تتمكن من تجاوز بعض الاعتبارات الشخصية، أو الشوفينية، بحيث تجنبا الالتقاء في قمة دول المحيط الهادي، وقليلاً ما يتبادلان الاتصالات. وألمانيا التي كانت تُنسِق علاقات البلدين في مرحلة معينة، انشغلت بمشكلاتها الداخلية الناتجة عن آخر انتخابات، بينما لعبت فرنسا دور الوسيط بالحد الأدنى في فترة التوتر الأخيرة التي حصلت حول سوريا، بينما كانت بريطانيا رأس حربة في مسار التوتر بين واشنطن وموسكو بسبب محاولة اغتيال سكريبال.
الاضطراب الدولي – خصوصاً بين الدول الكبرى – يُنذر بعودة التجاذبات الدولية إلى مرحلة الحرب الباردة التي كان يقودها الجباران الأمريكي والسوفييتي قبل العام 1990. وسياسة المحاور تطلُّ مُجدداً على المسرح الدولي.
في ملف طرد الدبلوماسيين رداً على اتهام روسيا بتسميم العميل المزدوج سكريبال، وقفت الولايات المتحدة ومعها 24 دولة ضد روسيا. وفي ملف الرد على اتهام استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا؛ وقفت بريطانيا وفرنسا إلى جانب الولايات المتحدة، وضربت صواريخ الدول الثلاث في سوريا رغم معارضة روسيا.
الرئيس الروسي بوتين قال بعد الضربات الصاروخية على أهداف في سوريا صبيحة 2018/4/14 : «إذا تكررت مثل هذه الأفعال من الهجمات التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة؛ فإن ذلك سيؤدي إلى فوضى في العلاقات الدولية».
التهديد الروسي بالفوضى الدولية مؤشرٌ مُقلِق، ولكنه يطرح مجموعة من التساؤلات في الوقت ذاته.
هل سياق الأحداث وتعامل الدول الكبرى مع الأزمات الدولية الساخنة المطروحة يجري وفقاُ لأحكام ميثاق الأمم المتحدة؟ أم أن تجاوزات القانون الدولي هي القاعدة التي تعمل بموجبها الدول الكبرى؟ ويمكن إعطاء بعض الأمثلة على مثل هذه التجاوزات الدولية للقانون العام:
قرار الرئيس ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القُدس تحد للشرعية الدولية التي تعتبر بموجب القرار 242 أن القدس مدينة محتلة.
د. ناصر زيدان